“مغالطات”زواج القاصرات.. سلب الحضانة من الام.. حرمان الزوجة من النفقة..

“مغالطات”
زواج القاصرات.. سلب الحضانة من الام.. حرمان الزوجة من النفقة..
الدكتور محمد نعمه الغالبي
دارت معظم النقاشات في مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية على فضائيات عديدة، حول هذه المحاور الثلاثة، وشهدت حملة لاذعة لترسيخ هذه المفاهيم والقناعات لدى المتلقي، ومن المؤسف استقبلت شاشات العديد من الفضائيات شخصيات غير راجحة بالاختصاص، ولديها جهل قانوني وثقافي عام، وتم تقديمهم بصفة محامين او قانونين ورجال دين، وهم بطروحاتهم تلك ينزلون دون الوعي العام ويسهمون في اشاعة الجهل، اذ بثت حالة فوضى كبيرة ولاقت رواجا واسعا وتفاعلا على مواقع التواصل الاجتماعي، مما الزمنا ان نقدم هذا الايجاز:
ان المسألة محل الجدل تتلخص بقيام مجلس النواب بقراءة مشروع قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية للمرة الثانية والذي تضمن تفعيل
نص المادة (٤١) من دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥ والتي جاء فيها (العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم او مذاهبهم او معتقداتهم او اختياراتهم وينظم ذلك بقانون)، وبهذا منح النص المذكور الحرية للمواطن في الاختيار بحسب دينه او مذهبه او معتقده فلا الزام عليه في هذا المجال، وهذه برأينا هي الحرية في اجلى صورها. وتنفيذا للنص المذكور فقد تم اعداد مشروع تعديل قانون الاحوال الشخصية وهو يضم ثلاث مواد لا غير، ولدى التمحيص في قانون الاحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩، نلاحظ ان المادة (١) منه نصت على: (١- تسري النصوص التشريعية في هذا القانون على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها او في فحواها.
٢.اذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية الاكثر ملائمة لنصوص هذا القانون.
٣. تسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي اقرها القضاء والفقه الاسلامي في العراق وفي البلاد الاسلامية الاخرى التي تتقارب قوانينها من القوانين العراقية).
ومن خلال النص المتقدم نجد ان للعراقي او العراقية عند ابرام عقد الزواج ان يختار تطبيق احكام قانون الاحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩، وهو ما ذهبت اليه المادة (١/أ) من التعديل المقترح، ومن ثم يتضح ان ما نسب الى مشروع القانون محض افتراء وهراء فلقد اضاف فقرة ثالثة الى المادة (٢) من اصل القانون تسمح للعراقي والعراقية عند ابرام عقد الزواج ان يختار المذهب الشيعي او السني الذي يطبق عليه في مسائل الاحوال الشخصية وهذا هو “الحاصل اليوم”، اذ ان عقد الزواج للمسلم اما ان يتم على وفق المذهب الجعفري او المذهب السني حسب طلب الزوجين.
كما ينبغي على المتلقي ان يدرك ان المادة (٢) التي تم تعديلها لم تعطل حكم بقية المواد بل بقيت كافة نصوص القانون نافذة.
وبالتالي (لا يوجد زواج قاصرات.. ولا سلب حضانة.. ولا حرمان من نفقة)، اذ تنص المادة السابعة /١ من قانون الاحوال الشخصية لسنة ١٩٥٩ على أنه (يشترط في تمام اهلية الزواج العقل وإكمال الثامنة عشرة)، ثم جاءت المادة الثامنة/١ من نفس القانون لتنص على انه (اذا طلب من اكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج فللقاضي ان يأذن به اذا ثبتت له اهليته وقابليته البدنية بعد موافقة وليه الشرعي، فاذا امتنع الولي طلب القاضي منه موافقته خلال مدة يحددها له، فأن لم يعترض او كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار اذن القاضي بالزواج) والنصوص المذكورة مازالت نافذة المفعول لم يمسها التعديل فمن أين جئتم ايها المبطلون بالحكم الذي يسمح بزواج القاصرات في سن التاسعة؟
ومن اين جئتم بعدم استحقاق الزوجة للنفقة، اذ ان المادة (٢٣) من القانون تنص على انه (تجب النفقة للزوجة على الزوج من حين العقد الصحيح ولو كانت مقيمة في بيت اهلها الا اذا طالبها الزوج بالانتقال الى بيته فامتنعت بغير حق).
ومن أين لكم فكرة سلب الحضانة، في حين ان توجه المشرع العراقي والقضاء العراقي يدور مع الحضانة وجوداً وعدماً مع مصلحة المحضون، كما أن الفقرة المذكورة الزمت المجلسين العلميين في ديوان الوقف الشيعي وديوان الوقف السني بوضع مدونة الاحكام الشرعية في مسائل الاحوال الشخصية بالتنسيق مع مجلس الدولة وتقديمها الى مجلس النواب في غضون ستة اشهر للموافقة عليها اعتبارا من تاريخ نفاذ القانون. والمدونة المذكورة تضم بابين الاول ينظم احكام مسائل الاحوال الشخصية طبقا للفقه الشيعي الجعفري والثاني ينظم المسائل المذكورة طبقا للفقه السني.
لذا فأن ما يجري من حملة شعواء وتهريج ممن يدعون الاختصاص لا يستشف منها الا خلق فوضى اجتماعية وخلط الامور على المتلقي وادخاله في تيه معرفي.

إغلاق