المدافن والمغتسلات العامة
في العهد البابلي وما بعده كانت بعض المناطق القريبة من المنطة التي سميت فيما بعد كربلاء قد إتخذت مدافن لموتى المجتمعات التي سكنت بالقرب منها .
ففي منطقة الطار مثلاً والتي تبعد حوالي ثلاثون كيلومتر إلى الجهة الغربية من المدينة وجد المنقبون آثار لمقابر تعود إلى مجتمع سكن المنطقة للفترة الممتدة بين ٣٠٠ ق م إلى ٣٠٠م ..
بعد واقعة الطف التي جرت أحدثها في العاشر من محرم الحرام عام ٦١ هجري بدأت مجاميع كبيرة من محبي أهل البيت وأتباعهم بالتوافد إلى مكان المرقد حيث مقتل الإمام من أجل الزيارة ، وفي تقادم الزمان آثر قسم منهم البقاء قرب المراقد فإتخذوا من محيطها مساكن لهم محبة وتودداً .
بعد مضي فترات زمنية طويلة من ورود المحبين إلى كربلاء أخذت المدينة تتسع مع إزدياد أعداد ساكنيها ، ومن الطبيعي أن تحصل ولادات ووفيات ، وهو ما تطلب البحث عن أماكن لدفن الموتى .
في بادئ الأمر إستخدمت المنطقة المحيطة بالضريح الحسيني والعباسي ، الصحن وما حوله مكاناً مفضلاً للدفن ، وبعد إتساع رقعة الصحن تم بناء سور يحيط به ، إشتمل البناء على أواوين وغرف مرفقة به إستغلت في دفن موتى بعض العوائل العلوية العاملين في خدمة المقام وكذلك السلاطين والمراجع ، مع بقاء ساحة الصحن مكاناً لدفن موتى ساكني المدينة ومن خارجها ، مقابل رسوم يتقاضاها الموظف الحكومي ( مأمور الدفنية ) ، وهو الشخص المكلف من قبل مديرية الأوقاف .
في أواخر القرن التاسع عشر صدر فرمان عثماني بتكليف الحاج عبد الله الحفار ، مأموراً للدفنية في لواء كربلاء وقضائي النجف والكوفة أيضاً ، وكان قد خصصت الحكومة رسوم للدفن في المقابر العامة قيمتها ( خمسة روبيات ) تعود لخزينة الدولة ، إضافة إلى أجور الدفن التي يتقاضاها الحفار القائم على عملية الدفن ، زائداً مبلغ ( عشرة روبيات ) وهي بمثابة رسوم الدفن في داخل الصحن الحسيني والعباسي والعلوي .
ومن أجل تثبيت أسماء المتوفين فقد تولى القائم على الدفن مسك سجل يتم فيه تدوين إسم المتوفى وعنوان سكنه قبل الدفن .
في أواخر الثمانينيات إنتقلت مسؤولية إدارة المقابر من مديرية الأوقاف إلى مديرية البلديه في المحافظة .
جثامين موتى الدول الإسلامية
في الأزمان السابقة كانت مدينة كربلاء تستقبل جثامين الموتى من بعض الدول الإسلامية ( إيران ـ أفغانستان ـ پاكستان ـ تركيا ـ الهند ) وبعض دول آسيا الوسطى لدفنها في مقابر المدينة ، ومن أجل إيصال الجثث إلى كربلاء فقد كانت تنقل على الدواب براً ، أو عن طريق البحر بالنسبة إلى دول الهند والپاكستان .
وبسبب طول المدة الزمنية لنقل الجثامين فقد كانت تتعرض للتفسخ والتحلل وهو ما يؤدي إلى إنتشار الأوبئة .
في حينها كانت الحكومة العثمانية تستوفي مبلغ جنيه إنكليزي عن كل جثة من جثث الفرس التي يأتي بها الناقليين الإيرانيين وهي بمثابة سمة دخول وضريبة الحجر الصحي .
في عام ١٨٧١م ، وخلال فترة حكم الوالي العثماني مدحت باشا ، وعند زيارة الشاه ناصر الدين القاجاري مدينة كربلاء ، إتفق الطرفان على بعض النقاط المتعلقة بأمور الحكم ، ومنها أن تقوم حكومة إيران بتأمين جثامين موتاهم لمدة سنة واحدة في مقابرهم كي تتحول إلى رفات قبل نقلها إلى كربلاء لتجنب إنتشار الأمراض التي تسببها جثث الموتى المتفسخة .
يذكر السائح البريطاني جون أشير ، في وصفه كربلاء عند قدومه المدينة ..
ويؤتى بجنائز الموتى إلى كربلاء من المدن البعيدة ، وفي البداية يطاف بها حول قبر الحسين داخل الحرم ثم يوارى الثرى ، وكانت الحكومة التركية تستوفي مبلغاً يسيراً أزاء كل جنازة ، من هنا كان بعض المشرفين على القوافل يدخلون المدينة من أبواب أخرى ، وفي بعض المواسم تأتي القوافل مزدحمة بالجنائز مما يسبب الضجر بالنسبة للقائمين على الأبواب ، ما يترتب على ذلك إزدحام السير في أزقة المدينة وأسواقها وهو ما يؤدي إلى إحتمال تفشي الأمراض ، وهذا ما يخلق الذعر لدى الدولة قبل غيرها ، فقد تصل في قافلة واحدة من إيران ألف جنازة في وقت واحد ، وكل واحدة منها يرافقها شخص أو اكثر من أقارب المتوفين .
المقابر في مدينة كربلاء
بعد إزدياد نفوس المدينة ومن أجل إيجاد مكاناً يكفي لدفن الموتى فيها ، إختارت البلدية بعض المناطق الواقعة خارج سورها من أجل تخصيصها كمقابر لدفن الموتى وهي :
١ – مقبرة المخيم / تقع في المنطقة المحيطة بالمخيم الحسيني تمتد من مرقد إبن فهد الحلي حتى تصل غرباً إلى نهر الهنيدية ، الواقعة في الجهة الجنوبية الغربية من السور ، وهي المنطقة التي تسمى بستان الدده .
٢ – مقبرة باب طويريج ، وادي أيمن / تقع في منطقة باب طويريج ، تمتد من مرقد إبن الحمزة ، والمنطقة المحيطة بها حتى تصل إلى بناية الوقف الشيعي جنوباً وساحة باب طويريج شرقاً ، يجاورها مقبرة صغيرة المساحة تعود إلى طائفة الهنود البهرة ، مخصصة لدفن موتاهم فيها ، تحولت المقبرة فيما بعد إلى گراج الأحياء للنقل العام .
٣ – المقبرة الجعفرية / الواقعة في منطقة « الهيابي » قرب مقام جعفر الصادق ، المقبرة صغيرة المساحة تقع وسط البساتين ، وفيما بعد سُويّت أرضها وتحولت إلى بستان ولم يسمح الدفن فيها ، ويقال أن ناصر الدين شاه القاجاري ، قد إشترى البستان وأوقفها عندما زار كربلاء في أواخر القرن التاسع عشر .
٤ – مقبرة كربلاء القديمة / وتسمى ( الوادي العتيق أو وادي الصفا ) وهي من ضمن أراضي الصنگر ، الواقعة بالمقابل إلى محطة وقود كربلاء ومحطة القطار ، تبعد عن مركز المدينة حوالي ٢٠٠٠م ، تمتد من مرقد سيد جودة ، إلى شارع حي الأنصار ومحطة الكهرباء الوطنية حتى تصل إلى بساتين البهادلية ، وهي من المقابر القديمة التي تأسست في العهد العثماني من عام ١٨٨٨م ، وكانت جثث الموتى تنقل إليها بواسطة الدواب قبل دخول وسائط النقل العاملة على المحروقات ، إستمر الدفن فيها لغاية نهاية السبعينيات ، وفي الوقت الحالي لا يسمح الدفن فيها بإستثناء ملاكي المقابر الخاصة .
٥ – مقبرة كربلاء الحديثة / تقع على الجهة اليمنى من طريق كربلاء – النجف ، إفتتحت في بداية الثمانينيات من القرن الماضي ، ولازالت في إتساع .
٦ – مقبرة الشهيد الحر الرياحي / الواقعة على الجهة الشمالية من المرقد والتي تبعد عن مركز المدينة حوالي ١٠ كم ، أغلقت في بداية التسعينيات من القرن الماضي .
كذلك إنتشرت في أسواق المدينة وشوارعها مقابر خاصة ، فقد قام بعض المراجع ورجال الدين وبعض العوائل الكربلائية في إتخاذ منازلهم ومن المدارس التابعة لهم بالتوصية في دفنهم فيها ، نذكر منها :
١ – مقبرة آل الدده ، البكتاشية / الواقعة بالمقابل إلى باب القبلة للصحن الحسيني ، أزيلت بسبب توسعة الصحن الحسيني .
وهي المقبرة التي دفن فيها الشاعر الصوفي فضولي البغدادي ، العراقي المولد والأصل ، وكان الشاعر قد ولد في مدينة الحلة وإرتحل إلى بغداد ثم جاء إلى كربلاء وعاش فيها حتى وفاته بمرض الطاعون عام ٩٦٣ه .
٢ – مقبرة العلامة السيد محمد الطباطبائي / الواقعة عند مدخل سوق التجار الكبير ، أزيلت بعد توسعة منطقة مابين الحرمين .
٣ – مقبرة العلامة الحائري / الواقعة عند مدخل سوق الخفافين ، أزيلت بسبب توسعة الصحن الحسيني .
٤ – مقبرة إبن فهد الحلي / تقع على يمين شارع الحسين ، ولازالت قائمة .
٥ – المقبرة الگلگاوية ، التابعة لبيت الگلگاوي / الواقعة في وسط سوق العرب ، أزيلت بسبب توسعة الصحن الحسيني .
٦ – المقبرة البويهية / شيدت في زمن عضد الدولة البويهي بحدود عام ٣٦٩ه ـ ٩٨٠م ، وهي ملاصقة للصحن الحسيني ، تقع بين باب الشهداء وباب الكرامة ، إزيلت بعد توسعة شارع الحائر الحسيني .
والعديد من المقابر الخاصة التابعة إلى عوائل الملوك والسلاطين والأمراء والحكام من مختلف الجنسيات التي إتخذت من الأواوين الموجودة في محيط السور الداخلي للصحن الحسيني والعباسي مقابراً لموتاهم .
المغتسلات العامة
من أجل تجهيز المتوفى وتغسيله وتكفينه ، فقد قامت الجهات المعنية في تشييد أماكن خاصة لهذا الغرض تسمى المغتسلات ، وقد شيدت بالقرب من المقابر لتسهيل الإجراءات اللازمة ، مكونة من غرفتان واحدة لتجهيز الرجال والثانية لتجهيز النساء إضافة إلى قاعة تستخدم لإنتظار ذوي المتوفى ، هذه المغتسلات كانت تؤجر لأصحاب المهنة عن طريق المزايدة العلنية .
بعض العوائل الكربلائية كانت تعمل على القيام بتجهيز الموتى من جميع النواحي ، يطلق عليهم ( المغسّلچية ) وآخرين عملوا بحفر القبور ودفن الموتى فيها يطلق عليهم ( الدفّانة ) .
لايحتاج المتوفى الكثير من متطلبات دفنه سوى قطعة قماش بيضاء يلف بها جثمانه ، فهو لا يملك من حطام الدنيا سوى العمل الصالح ، وأما ( المغسلچي ) فيكفيه القليل من الماء والكافور والسدر ، وأما الدفان فلا يحتاج لإتمام عمله سوى الفأس وزنبيل الخوص .
جرت العادة أن يقوم الأهل والأقارب والأصدقاء بعد تجهيز الميت وقبل دفنه من الذهاب إلى مرقدي الإمام الحسين وأخيه أبا الفضل للزيارة ، يتقدم المشيعيين منادي ينادي بصوته الجهوري على ذكر الله والترحم على المتوفى ، حتى يصل الصحن والدوران حول الضريح ، ثم يتقدم أحد السادة المشيعيين ، في إقامة صلاة الميت على الجنازة ، وهو تقليد متبع عند أهالي كربلاء .
الكثير من المفارقات والحوادث المحزنة والمضحكة التي حصلت أثناء تغسيل الميت وقبل دفنه سمعناها من الأقدمين يتناقلها أهل المدينة .
في أدناه المغتسلات التي إتخذت مكاناً لتجهيز الموتى ، غسل وتكفين ، وهي :
١ – مغتسل المخيم / تعود ملكيته إلى عائلة آل كمونة ، وكانت بإدارة الحاج علي جواد المردشوري وأولاده ، يقع في منطقة المخيم ، ويطل على نهر الهنيدية داخل السور ، هدم في السبعينيات من القرن الماضي .
٢ – مغتسل العلقمي / وهو وقف عام نصت الوقفية بغسل الموتى بدون ثمن ، يقع في محلة باب الخان بالقرب من مقبرة باب طويريج ، مقابل مقام إبن الحمزة ومن ثم إنتقلت إلى شارع الإمام الحسن ، على كتف نهر العلقمي ، مقابل شارع البزارات ، إزيل في السبعينيات من القرن الماضي ، وإنتقل العاملين فيه إلى مكانه الجديد الواقع بجانب مقبرة كربلاء الجديدة .
٣ – مغتسل مقبرة كربلاء القديمة / يقع في ركن الجهة الشمالية الغربية من المقبرة ، وهي بإشراف الحاج عبود الكربلائي ، يحتوي على بئر ماء يأخذون منها الماء لغسل الموتى قبل تزويدها بالماء الصافي .
٤ – مغتسل مقبرة كربلاء الجديدة / يقع في الجهة الشمالية من المقبرة .
ندرج أسماء الذين تولوا غسل الموتى ( المغسلچية ) في مغتسل المخيم :
الحاج علي المردشوري وأولاده / الحاج جاسم المعموري / الحاج هاشم ، تنكه / الحاج محي المغسلچيي / لفته المغسلچي / عبد زنگي / حسن زنگي ، ومن النساء ، حجية ويزه / أم مها .
بعض العوائل إتخذت من تغسيل الموتى ودفنهم مهنة لهم ، وبعض العوائل ساهمت نسائهم بذات العمل .
أسماء العاملين في مغتسل العلقمي :
الحاج فاضل حمادي / السيد حسين المكصوصي / سيد مالك / عباس حسن ، فولگا / حسين معوق / مؤيد المغسلچي / الحاج سعيد وولده محمد / كاظم أمانة / فاضل أحمد / قيس عباس .
ومن النساء « نعيمة / أم مهند / حميدة / رجاء / سهيلة / فاطمة »
ندرج أسماء الذين تولوا دفن الموتى ( الدفانة ) :
الحاج حياوي جواد / الحاج نعمة جواد / الحاج محسن الخزرجي / الحاج سهيل النجم / حسون الحفار / محمد علي مهدي ، حمادة / حسين دوينه / حسين محيسن .
المصدر :
مدينة الحسين / محمد حسن الكليدار .
الحاج حبيب أبو شعير الخفاجي ، مقابلة شخصية .