“أوبونتو” والإيمان الناقص

بقلم: الدكتور ماجد الخياط

ليس هناك خط فاصل بين الخير سواء أكان في الشرق أم في الغرب، فالإنسانية بكل معانيها لغة مشتركة بين كل شعوب العالم، والإيثار وحب الخير للناس قيمة مجتمعية عليا، قد فقدتها بعض الشعوب الأوربية والغربية، ولكن الشعوب المتجذرة في الأخلاق والعادات الحميدة لا تنفك أن تكون لها ديدن ومنهج حياة، وربما تكون معادلة الرضا بالمقسوم والتصالح مع النفس هي مفتاح هذا العمل. وثمة رابط ما بين حب الخير للآخرين وكمال الإيمان في ديننا من جهة وقصة (اوبونتو) من جهة أخرى؛ والرابط يثبت ما ذهبنا إليه في المقدمة، إذ يذكر أن أحد علماء الأنثروبولوجيا قام بعرض لعبة سباق على أطفال أحد القبائل الأفريقية البدائية، فوضع سلة من الفواكه المتنوعة بالقرب من شجرة، وقال لهم أن أول طفل يصل الشجرة سيحصل على السلة بأكملها، وعندما أعطاهم اشارة البدء، تفاجأ بحركة غريبة قام بها الأطفال؛ إذ امسكوا بأيدي بعضهم وساروا سوية حتى وصلوا الشجرة ليحصلوا جميعا على الفاكهة، وعندما سألهم لماذا فعلتم ذلك وكان بإمكان أحدكم الحصول على السلة له فقط؟ أجابوا: (أوبونتو Ubuntu)، وعندما سأل المترجم قال له أن المعنى الذي يعرفونه لها هو؛ “كيف يستطيع أحدنا ان يكون سعيدا والباقون تعساء”، وهي كلمة من حضارتهم كان معناها: (أنا أكون لأننا نكون)، القبيلة التي لو نظرنا لها اليوم لقلنا إنها بدائية أو متخلفة وسط تحضر المجتمعات وثورة التكنولوجيا التي صنعت كل شيء إلا السعادة، التي عرفتها الشعوب القبلية وفكت اسرارها. وربما استهوتنا القصة أكثر مما لو قرأنا حديث رسول الله (ص) وهو يقول: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، وقد أجمع علماء الفقه والتفسير أن المقصود من الحديث ليس تكفير من لا يحب الفعل لنفي الإيمان، بل هو أن الايمان لا يكتمل ويكون ناقصا إذا لم يتصف المؤمن بهذه الصفة، وأول من اتصف بهذه الصفة هو رسولنا محمد الأمين (ص)، الذي أحب أمة كاملة، وتجلى حبه في دعوته ورحمته وأفعاله اليومية. إذن هو الإيثار المنتظر من أمة محمد (ص)، وما نلحظه اليوم هو تسلسل بعض الأفكار التي تؤسس لمنهجية حياة مغايرة، كالمثل الشعبي الذي يقول: (شهر المالك بيه خبزه لا تعد ايامه)، فوصل معناه الى الجيل الجديد بأن كل فعل ليس لك فيه منفعة شخصية لا تفعله، واقتنع جيل كامل أن الخير يمكن أن يتحقق في أن نتخلى عما نحن لسنا بحاجة إليه لمن هو بحاجة إليه، والحقيقة أن الإيثار الذي نقصد وقصده من أكد عليه من الأولياء الصالحين والعلماء والمفكرين، هو أن تنفق مما تحب، وأن تقدم على نفسك من يحب مثلما تحب، يقول علي بن ابي طالب (ع): “من أعطى بلا انتظار شكرا، أعطى الله” و”من أحب الخير للناس كان في جوار الله” أو “كان الله يحبه”، ولكن ما جدوى هذا الفعل، الجدوى هي السعادة التي نسعى إليها ولم تستطع كل محركات الحياة ايجادها، الجدوى باختصار ما حمله معنى الآية الكريمة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقد أجمع المفسرون أن هذه الحياة هي في الدنيا وليس في الآخرة، سلام وختام ودعوات بقبول الصيام والطاعات.

إغلاق